تواجه سوق
العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية تحدّيات جديدة مع ارتفاع أسعار الفائدة
البنكية، حيث يبدو أن هذا الارتفاع يلقي بظلاله على قطاع العقارات. تأتي هذه زيادة
الفائدة في ظل تغيرات اقتصادية عالمية وتأثيرات تضرب سوق العقارات بشكل خاص.
شهدت البنوك
الرئيسية في الولايات المتحدة زيادة في أسعار الفائدة خلال الفترة الأخيرة، وهو ما
بدأ يترك أثره على تحركات سوق العقارات، حيث تعكس هذه الزيادة الجهود التي تبذلها
البنوك للتصدي للتضخم وتحفيز الاقتصاد، ولكن يظهر أن لديها تأثيرًا كبيرًا على
المشترين والبائعين في سوق العقارات.
يُشير خبراء
العقارات إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر بشكل مباشر على قدرة المشترين على تحمل
التكاليف وسداد القروض العقارية. وتزيد هذه الضغوط من صعوبة عمليات الشراء وتقليل
الطلب على العقارات، مما يسفر عن تباطؤ في حركة السوق.
يظهر التقرير
الشهري للعقارات أن هناك تراجعًا في معدلات البيع والشراء خلال الأشهر الأخيرة،
وهو ما يعكس التأثير السلبي لارتفاع الفائدة، ويبدو أن المستثمرين ينتظرون
ويترددون في اتخاذ قراراتهم في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
يتساءل
الكثيرون حول ما إذا كانت هذه الزيادة في أسعار الفائدة ستكون مؤقتة أم ستستمر،
مما يخلق حالة من عدم اليقين في سوق العقارات. ويرجح بعض الخبراء أن هناك حاجة إلى
مراقبة مستمرة لتطورات السوق والتدابير الاقتصادية لتحديد التأثير الكامل لهذه
التغيرات.
في اجتماع
البنك الفيدرالي الامريكي الذي عقد يوم الأربعاء الموافق 1 نوفمبر 2023، قرر مجلس
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تثبيت أسعار الفائدة في نطاق بين 5.25% و 5.50%،
وجاء هذا القرار متوافقًا مع توقعات غالبية المحللين.
وكان
الفيدرالي الأمريكي قد رفع أسعار الفائدة 11 مرة منذ مارس 2022، في محاولة للسيطرة
على التضخم المرتفع. وكان آخر هذه الارتفاعات في يوليو 2023، بواقع 0.25%
وجاء قرار
تثبيت أسعار الفائدة يوم 1 نوفمبر 2023، على خلفية بعض العوامل التي تدعو إلى
الحذر، مثل:
●
التباطؤ الاقتصادي العالمي
حيث تشير بعض المؤشرات إلى أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو التباطؤ، مما قد
يؤثر على الاقتصاد الأمريكي.
●
ارتفاع أسعار النفط بشكل
حاد في الأشهر الأخيرة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم وزيادة التكاليف على
الشركات والأفراد.
الحرب في
أوكرانيا حيث تستمر الحرب في إحداث عدم يقين في الأسواق المالية، مما قد يؤدي إلى
اضطرابات اقتصادية.
وتعليقًا على
قرار تثبيت أسعار الفائدة، قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول (Jerome Powell) إن "الاقتصاد
الأمريكي قوي، لكن هناك بعض المخاطر التي يجب مراقبتها، وأضاف أن "مجلس
الاحتياطي الفيدرالي مستعد للتحرك بشكل حازم لضمان عودة التضخم إلى هدفه البالغ
2%"
وبحسب تقرير
صادر عن شركة "Zillow"
المتخصصة في مجال العقارات، انخفضت مبيعات المنازل في الولايات المتحدة بنسبة 1.2%
في أغسطس الماضي، مقارنة بالشهر السابق، وهو أكبر انخفاض شهري منذ ديسمبر 2020.
كما انخفضت أسعار المنازل بنسبة 0.5% في نفس الشهر. وفي تقريرها الصادر في 15
نوفمبر 2023، توقعت الشركة أن تنخفض مبيعات المنازل في الولايات المتحدة بنسبة 5%
في عام 2024.
ويرجع هذا
الانخفاض إلى ارتفاع أسعار الفائدة، حيث ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة بهدف
جعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على العقارات.
وقال كبير
الاقتصاديين في شركة "Zillow"، مات رولاند (Matt Rowland)، إن "ارتفاع أسعار الفائدة يمثل تهديدًا حقيقيًا لسوق
العقارات الأمريكي". وأضاف أن "المزيد من الارتفاعات في أسعار الفائدة
من المرجح أن تؤدي إلى انخفاض إضافي في الطلب على العقارات".
وتوقع رولاند
(Rowland) أن يشهد سوق
العقارات الأمريكي ركودًا في عام 2024، حيث تستمر أسعار الفائدة في الارتفاع.
وقال رولاند (Rowland) إن "الركود في سوق العقارات سيكون له
تأثير سلبي على الاقتصاد الأمريكي ككل، حيث سيؤدي إلى انخفاض الاستثمار
والنمو".
وبحسب تقرير
صادر عن مؤسسة "مورغان ستانلي" المالية، من المتوقع أن ينخفض معدل
النمو الاقتصادي الأمريكي إلى 2.5% في عام 2024، مقارنة بـ 3.5% في عام 2023.
وقال كبير
الاقتصاديين في مؤسسة "مورغان ستانلي (Morgan Stanley)"، جيمس غولدمان (James Goldman)، إن "ارتفاع
أسعار الفائدة سيكون له تأثير سلبي على النمو الاقتصادي الأمريكي". وأضاف أن
"الركود في سوق العقارات سيكون أحد الآثار السلبية الرئيسية لارتفاع أسعار
الفائدة".
وتقول سيلما
هيب (Selma Hepp)، نائبة كبير
الاقتصاديين: "مع وصول معدلات الرهن العقاري إلى أعلى مستوى منذ أوائل العقد
الأول من القرن الحادي والعشرين والقدرة على تحمل التكاليف عند مستوى قياسي منخفض،
فإن العديد من المشترين المحتملين يخرجون من السوق أو لا يرغبون في شراء منزل
خوفًا من انخفاض أسعار المنازل"
ويُعد ركود
العقارات من المشاكل الاقتصادية التي تؤثر بشكل كبير على دول ومجتمعات حول العالم،
ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، فالسوق العقارية في أمريكا قد شهدت فترات
تراجع كبيرة في الأعوام الماضية، ما أدى إلى تداعيات اقتصادية سلبية على الأسر
والشركات والحكومة، ولذا يُعد التفكير في حلول للحد من ركود العقارات في أمريكا
أمرًا ضروريًا للمساهمة في استقرار الاقتصاد وتحفيز النمو الاقتصادي.
أحد الحلول
الأساسية التي يمكن اتخاذها للحد من ركود العقارات في أمريكا هو زيادة الإنتاج
العقاري، حيث يمكن للحكومة والبلديات تسهيل وتسريع العمليات التنظيمية والإجراءات
البيروقراطية المتعلقة بتطوير العقارات، ويمكن أيضًا تشجيع الاستثمارات في مشاريع
الإسكان وتوفير الإعفاءات الضريبية والتسهيلات المالية للمطورين العقاريين، بإتاحة
فرصة لزيادة الإنتاج العقاري، ستتوفر المزيد من الوحدات السكنية والتجارية في
السوق، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار وتحسين الوضع العام للسوق العقارية.
علاوة على
ذلك، يمكن للحكومة أن تتدخل في سوق العقارات من خلال تنظيم أنشطة الوساطة
والتمويل. يمكن لإدارة الولاية تنظيم عمليات بيع وشراء العقارات وتوجيه المستثمرين
بشكل أفضل، كما يمكن للحكومة أن تضع قيودًا على التمويل العقاري، وضبط معدلات
الفائدة، وتبسيط إجراءات الحصول على التمويل العقاري، من خلال زيادة الشفافية
وضمان استدامة الأنشطة العقارية، يمكن تحفيز الثقة في السوق وجذب الاستثمارات.
ويجب أن يعمل
القطاع الخاص والعام على تنمية البنية التحتية في المناطق التي تعاني من ركود
العقارات، يجب أن يعزز الحكومة الاستثمار في البنية التحتية، مثل شبكات الطرق
والمدارس والمستشفيات ووسائل النقل العام، بتطوير المناطق الحضرية والريفية
المهمشة، يمكن خلق فرص عمل جديدة وزيادة الطلب على العقارات.
وتلعب السياسة
النقدية دورًا في احتواء ركود العقارات، فيجب على الحكومة والبنك المركزي أن
يتعاونوا للحد من التضخم العقاري واحتوائه عن طريق زيادة معدلات الفائدة وتنظيم
السيولة في السوق، وبتشديد السياسة النقدية، يمكن تقليص التكاليف العالية للتمويل
العقاري المتاح وتجنب التكبد الزائد للديون العقارية.
بالإضافة إلى
ذلك، يمكن أن تسهم البنوك والمؤسسات المالية في حل ركود العقارات من خلال تقديم
برامج تمويل مبتكرة وملائمة. يمكن تقديم القروض بفترات تسديد مرنة وأسعار فائدة
معقولة، بالإضافة إلى التركيز على تحسين الدعم الفني والاستشارات للعملاء. يمكن أن
تلعب البنوك دورًا أكبر في تسهيل الوصول إلى التمويل وزيادة الثقة في سوق
العقارات.
إن حل ركود
العقارات في أمريكا يتطلب التنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات المالية.
يجب أيضًا أن يتم توعية المستهلكين والمستثمرين بشكل جيد حول الأسواق العقارية
والفرص والتحديات المتعلقة بها، بتبني سياسات شاملة ومتناغمة، يمكن تحقيق استقرار
السوق العقارية وتشجيع النمو الاقتصادي في أمريكا.
المصادر:
https://fortune.com/2023/10/21/housing-market-2024-home-price-forecast-outlook-by-zillow/
https://www.morganstanley.com/ideas/economic-outlook-mid-year-2023-global-gdp-slowing
https://www.forbes.com/advisor/mortgages/real-estate/will-housing-market-crash/